البرازيل والموسم القادم بين التفاؤل والحذر
في ظل تقلبات الأسواق العالمية وتداخل العوامل المناخية والاقتصادية، تظل القهوة البرازيلية محور متابعة المستثمرين والمزارعين على حد سواء. تتقاطع التغيرات المناخية مع السياسات المالية والتجارية، لتشكل معًا الإطار الذي يحدد مسار الأسعار وحركة الصادرات والمبيعات المحلية، وهي عناصر تُسهم في تشكيل توجهات العقود المستقبلية وأنماط الطلب على الأرابيكا والكونيلون، الأمر الذي يجعل قراءة هذه المؤشرات وتحليلها أساسًا لفهم آفاق الموسم القادم.
لا يزال تركيز السوق منصبًا على احتمالية خفض الرسوم الجمركية الأميركية على القهوة البرازيلية، إلى جانب الأمطار الأخيرة التي شهدتها المناطق الرئيسية للإنتاج في البرازيل، وهذان العاملان عززا التفاؤل بشأن محصول عام 2026 وتوقعات التعافي التدريجي في توازن إمدادات الأرابيكا.
طوال الأسبوع، شهدت العديد من مناطق زراعة القهوة، وخصوصًا جنوب ميناس، هطولًا للأمطار. وعلى الرغم من أنها أقل من المتوسطات التاريخية، فإنها كانت كافية لتحسين رطوبة التربة ودعم نمو المحصول، مما يعزز ثقة السوق في التوقعات الإنتاجية للبرازيل للموسم المقبل، وقد يخفف بعض الضغط التراجعي على أسعار نيويورك وهوامش الفوارق.
في سوق العملات، أغلق الدولار الأميركي عند مستويات قريبة من 5.45 ريال برازيلي، متأثرًا بإعلان الحكومة توسيع برنامج الإسكان الوطني، وهو ما أثار مخاوف مالية. كما أسهم فشل الحكومة مؤخرًا في زيادة الإيرادات في تصاعد الضغوط، ما دفع بعض المستثمرين الأجانب إلى تصفية مراكزهم.
وعلى صعيد الصادرات، شحنت البرازيل نحو 3.750 مليون كيس خلال سبتمبر، وفقًا لبيانات CeCafé. ومع ذلك، انخفضت الشحنات المتجهة إلى الولايات المتحدة بشكل حاد لتبلغ حوالي 330 ألف كيس، أي أقل من نصف الكمية المسجلة في سبتمبر 2024. وفي المقابل، كانت الصادرات إلى كولومبيا أعلى بستة أضعاف خلال الفترة نفسها.
محليًا، تظل حركة المبيعات معتدلة. واعتبارًا من 8 أكتوبر، تم تسويق نحو 54% من محصول 2025/26 وفقًا لتقديرات "سافراس آند مركادو"، الذي يقدّر إنتاج الأرابيكا بـ38 مليون كيس والكونيلون بـ25 مليون كيس. وللمقارنة، بلغت المبيعات في الفترة نفسها من العام الماضي 62%، ما يعكس حرص المزارعين على الاحتفاظ بجزء أكبر من محصولهم.
أما العقود الآجلة والمستقبلية للموسم القادم، فتظل بطيئة أيضًا، إذ تأتي العروض دون مستويات الأسعار الفورية الحالية، وقد أدّت التذبذبات الأخيرة في الأسعار إلى تباطؤ إبرام الالتزامات الجديدة. وتشير تقديرات "سافراس إي مركادو" إلى أن المبيعات الآجلة في المناطق الرئيسة لا تتجاوز 12% إلى 15% من الإنتاج المتوقع للموسم المقبل، وهي نسبة محدودة، لكنها تعكس نهج المنتجين الدفاعي في ظل ظروف السوق الراهنة.
وفيما يتعلق بأسعار FOB، لوحظ ارتفاع الاستفسارات حول الكونيلون، رغم أن الفوارق الحالية لا تزال مرتفعة بدرجة تمنع تنشيط الطلب. أما في الأرابيكا، فقد أُبرمت بعض الصفقات المحدودة للشحنات الممتدة بين ديسمبر ومارس، لكن النشاط الإجمالي للتداول يبقى معتدلاً، مع استمرار تفاوت العروض بين البائعين بشكل ملحوظ.
ختامًا، يبدو السوق البرازيلي للقهوة في مرحلة ترقّب دقيقة، حيث توحي الأمطار الأخيرة ببصيص من التفاؤل حيال محصول الموسم القادم، بينما تستمر التقلبات الاقتصادية والسياسات المالية في التأثير على حركة الأسعار. ومع اعتماد المنتجين نهجًا دفاعيًا واحتفاظهم بجزء من محاصيلهم، يظل موسم 2026 موسمًا حساسًا يستحق متابعة دقيقة من المستثمرين والمزارعين على حد سواء، في ظل تباين واضح بين آفاق الانتعاش التدريجي والضغوط الحالية على الأسعار والفوارق.



